عام الإبل

عام الإبل

ملامح عروبتنا

     بين غروب الشمس والشروق وبين صياح صفوف الحرب وتمتمت طفلٍ رضيع على كتف تلك الأم، ومن تحت ظل نخلة شامخة أثقلت جذعها لآلئ حبات التمر إلى مسير ليالي حالكة يطوي فيها الجوع البطون، هناك كانت خُطى إبلنا تسير وخِطامُها قد قُيد بكفٍ بنانها إصرار وصبر وعزيمة وثقة وإبهامها اعتقادًا وإيمانًا بحب الوطن، تلك المخلوقات التي تجلت في خلقتها عظمة بديع صنع الرحمن الذي قال في محكم آياته في سورة الغاشية {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} وهنا عَظمة لم نختلقها بوصفنا بل ذَكرها وخلّدها القرآن لتكون محط تأملنا وتدبرنا.

     كانت إبلنا هي الرفيق والأنيس وهي رأس العدة حاملةً العتاد، هي ملامح عروبتنا وتفاصيل ملاحمنا، يَحار المتأمل في وصفها إلا أن تلك الأوصاف تُشاطر مجدنا في الرفعة والشموخ وفي ضيق صدورها  الشكلي شبهٌ لضيق صدورنا المعنوي عن كل ما يكيد لآمالنا ولرؤيتنا، حتى ذاك السنام الذي تخزن فيه غذاءها فإذا ما أضناها الجوع والعطش تزودت بما يقيم صلبها فكذلك نحن فيما حملنا من سيرة السعودية


العظمى فما أن يلوح لنا ما يقصد ضعفنا إلا ونهبُّ  إلى أسفار ماضينا وما فيه من أمجاد فنرتوي بما يقوينا ،وفي رفة رمشها الطويل الكثيف لحظة حانية تشبه عطائنا ويدنا السبّاقة لكل خير فما أن ننتهي من عون في أرض بائسة حتى تسدل يد بالعون في أخرى.

     سيرة الإبل ومسيرتها وثيقة بشرية قديمة خلدتها نقوش الأمم السالفة وبرزت ضمن رسومهم لتحكي لنا قصة ارتباط البشر بالإبل في تِرحالهم ومحل إقامتهم، كما يبدو جلياً أن الإبل جزءٌ لا يخبو من الثقافة السعودية الأصيلة ومن أهم موروثاتها الثقافية وشعاراً قد لا ينافسنا فيه أحد فلم تعِد الإبل في سعوديتنا طيات ثقافة التاريخ الماضي بل صارت واجهة لنا طوعناها لحاضرنا المميز وصارت طرازًا منافسًا في شعارات وتصاميم كبار المهندسين وأصحاب المشاريع على اختلاف الأفكار والمرئيات.

     وامتدادًا لعلاقتنا السعودية برمزنا الثقافي العريق رأت قيادتنا الحكيمة بأن تُمجّد هذا الرمز وتوثق رسوخه ضمن أعوامنا المشهودة فتمت موافقة مجلس الوزراء على تسمية العام الميلادي ٢٠٢٤ بعام الإبل، ولا شك بأن تلك المبادرة الخلّاقة ستكون ذات أثرٍ إيجابيٍ علينا جميعًا كسعوديين وعرب وقد يكون انطلاقة نحو العالمية ليكون علامة تجارية تنافس كبرى العلامات المعروفة فقد اعتدنا على إنجازات الوطن والمواطنين التي لم تعد تعترف بالحدود القديمة في التطلعات والطموحات وليس ذلك فحسب بل قد يكون في ذلك إحياء للوحة الشعرية القديمة والتي كانت فيه الإبل تاج يزيّن هامة القصيدة.

     ولا يقف الأمر إلى هذا الحد بل نطمح إلى إدراج هذا الرمز ضمن ثقافة أطفالنا التعليمية والترفيهية وأن تكون هناك سلاسل لشخصيات كرتونية ملهمة تبعث فيهم الإيمان بمبادئنا وقيمنا وتعزز فيهم الحفاظ على الهوية الوطنية بالإضافة إلى إنتاج القصص القصيرة المصورة التي تجسد شخصية الجمل وربطها بموضوعات حديثة لاسيما العالم الرقمي وهنا يمكن لدائرة التواصل بين الماضي والحاضر أن تتسع أمام تطلّعاتهم.

     إن من دواعي الفخر والاعتزاز أن يكون لكل منّا بصمة وأثر في هذا العام بكافة الأشكال والطرق، وإن من دواعي سروري أن أعددت هذا المقال قبل البدء بالاحتفاء بهذا العام بأيام قليلة، وإني أجد أن ما حملني على ذلك إلا حب الوطن والاعتزاز به وكل ما من شأنه أن يكون في خدمته، ولنكون نحن هنا درسًا وطنيًا ملهمًا لأبنائنا لنغرس فيهم أن حب الوطن من الإيمان وكذلك حب كل ما يخدم الوطن.  

 

                                                                                   بقلم أ/إيمان بنت زيد الموينع

Co-editors: Sumaya Alanazi & Kady Almutib                                                                                     

 


دينا العمودي

مديرة التسويق وتطوير الأعمال | ماجستير العلاقات العامة / التسويق العالمي

٨ شهر

Beautifully written Eman thank you 💚

إعجاب
الرد

لعرض أو إضافة تعليق، يُرجى تسجيل الدخول

المزيد من المقالات من English Language Institute-PNU